منذ أن تحدث أفلاطون عام 350 ق . م عن جزيرة عظيمة اختفت في المحيط الأطلسي في لحظات قصيرة من عمر الزمن ، صارت تلك الجزيرة ( القارة ) الشغل الشاغل لعلماء الأنثروبولجيا والتاريخ والجغرافيا ولغزاً يعد من أعظم ألغاز التاريخ .
وقد نقل عنه الشاعر والمؤرخ الكبير كراشياس قصة مفادها أنسولون ( المشرع اليوناني المعروف ) ذهب إلى سايس بمصر عام 590 ق.م وأخبره الكاهن المصري بأن حضارة عظيمة تأسست عام 9600 ق. م حين تأسست " أثينا " وأن هذه الحضارة نشأت على قارة كبرى اسمها أطلنطس تمتد لما بعد أعمدة هرقل ( مضيق جبل طارق ) وتزيد مساحتها عن مساحة ليبيا وقارة أسيا مجتمعين ، وقد شكلت تهديداً مباشراً على أوربا وآسيا مجتمعين حتى وضعت نهايتها " أثينا " .
ويحكي الكاهن المصري بأنها كانت حضارة عظيمة وجميلة غزت ليبيا وأوربا حتى ( تريهينا ) " انتروبا وهي مدينة تقع وسط إيطاليا " بيد أن أثينا ظلت في معارك طاحنة معها وحتى بعد أن تخلى عنها حلفائها فقد ظلت تقاوم أحيانا وتقوم بغزوها أخرى حتى تمكنت من دخولها والسيطرة عليها فقام فيضان عظيم وحدثت زلازل رهيبة سحقت كلا من الإغريق وسكان الأطلنطس معاً وغرقت القارة كلها في أعماق المحيط !
وقد أفرد أفلاطون كتابات مطولة عن جمال تلك الحضارة وعظمتها ووصف قصورها ومبانيها وقراها ومزارعها ونظم تصريف المياة فيها من مجاري مائية كبيرة تسمح بمرور السفن من خلالها وتشكل نظام ري عبقري فكانت كتاباته مصدر إلهام للشعراء وإبهار للسامعين على مدى ألفي عام خاصة وهو يتغنى بالبنايات الجذابة ذات النوافير الحارة والباردة ، وقاعات الطعام المجهزة بأشكال وديكورات عجيبة وقد زينت جدرانها بطلاء الذهب والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة النادرة .
وقد أنهى أفلاطون سرده لما رواه " كراشياس " بأن أهل أطلنطس تجبروا وعاثوا في الأرض فساداً ، فصار الجشع عقيدتهم والجبروت سبيلهم فقرر اله الإغريق زيوس معاقبتهم بعد أن أجمع على ذلك مجمع الآلهة ، ولم يكمل أفلاطون ليروي نهايتهم بتفاصيلها ولكن نستطيع بسهولة أن نستنتج أنها قد دمرت عن آخرها .
ومن بعدها ثار خلاف كبير لم ينتهى حتى اليوم بين العديد من العلماء في تخصصات متعددة فمنهم من اتهم روايته بأنها من صنع الخيال ومجرد خرافة ، ومنهم من قال بل أراد أن يرمز لأشياء عديدة إذ أن هناك حكمة بالغة في تلك الرواية ، حتى أن ( جاويت ) اعتبرها أعظم جهد للعقل البشري في مسعاه إلى كشف الحكمة وفهم العالم أنى تشعب ، وأنكر تماماً أن يلجأ أفلاطون لحشر خرافة بهذه الدقة في التفاصيل ، وأنه أراد أن يترك ميراثاً ثمينا للأجيال القادمة ، وأنه العقل الذي أورثتنا إياه عقلية العصور القديمة التي تمتعت بنقائها .
وبعد مرور ألفي سنة بدأت رحلات ومحاولات عدة لاستكشاف القارة المفقودة ، بدأها ( أغناطيوس دونيللي ) عضو مجلس الشيوخ الأمريكي وكتب كتاباً أثار ضجة كبرى بعنوان ( أطلنطس عالم ما قبل الطوفان ) وكان ذلك عام 1882م ، وهو الكتاب الذي أكد فيه أن أفلاطون قد سجل كارثة حقيقية حدثت فعلا بكل تفاصيلها وأورد الأسباب التي استند اليها لتأكيد اعتقاده هذا ، وأكد أن قارة استراليا هي الجزء المرئي الوحيد والمتبقي من قارة تمتد من أفريقيا إلى المحيط الهادي ، وفي الحقيقة فقد كان كتابا موسوعياً نظراً لإلمام دونيللي المتميز بالجغرافيا وعلوم الأرض وتاريخ الحضارة واللغات فعقد مقارنات مهمة بين الرواية الأفلاطونية وبين أساطير الفيضانات الكبرى من مصر إلى المكسيك موضحاً أوجه الاقتران في النتاج الإنساني بين كلا الجانبين من المحيط الأطلنطي ، إلى حد أن ( كلادستون ) رئيس وزراء بريطانيا قد تأثر بكتابه هذا وحاول اقناع مجلس الوزراء بإرسال حملة لتعقب آثار القارة الغارقة في الأطلسي ولكن طلبه قوبل بالرفض .
بينما عارض دونيللي مواطنه الأمريكي أل.سبراغ بعد 70 سنة من صدور كتابه وأكد أن الكثير مما أورده دونيللي هو من بنات أفكاره وبعض المعلومات الخاطئة التي ثبت عدم صحتها وذلك في كتابه ( القارات المفقودة ) بينما أكد في نفس الوقت أن من بين صفحات كتاب دونيللي ال 490 ما يجب أن نلتفت إليه ونأخذه مأخذ الجد وأنه يحتاج لمراجعة دقيقة .
إلا أن الكاتبة الروسية المغمورة وقتذاك ( هيلين بلاتافسكي ) كانت قد سبقت دونيللي بخمس سنوات وكتبت كتابا بعنوان ( رفع الحجاب عن إيزيس ) ، دون أن تلفت انتياه الكثيرين ، على الرغم من أنه كتاب ضخم (1500 صفحة ) وهو الرقم الذي أثار دهشة المتابعين لها ، ولكن ما يهمنا أنها في تلك الألف وخمسمائة صفحة أفردت صفحة واحدة فقط لأطلنطس زعمت فيها أن سكان تلك القارة لا ينتمون لسلالتنا الحالية من البشر ، بل هم من السلالة الرابعة السابقة لسلالتنا وأنهم كانوا مجرد وسائط طبيعية للوصول إلينا ، ولأن علمهم كان فطرياً لم يبذلوا فيه جهداَ يذكر فقد سيطر عليهم تنين عظيم يسمى الملك ( ثيقيتات) والذي علمهم السحر والدجل والشعوذة حتى أشعلوا حرباً انتهت بانطمار قارتهم .
ورغم أن الكتاب لم ينل شهرة واسعة في بدايته إلا أن تلك الإشارة سببت له شهرة واسعة جداً فيما بعد وانتشر انتشاراً فاجأ حتى الكاتبة نفسها ، إلا أنها غادرت نيويورك وسافرت إلى الهند وأسست جماعة صوفية روحانية ، بيد انها اتهمت بالمراوغة وعادت لتموت في لندن مخلفة وراءها مخطوطة كانت أكثر إثارة وغرابة من كتابها بعنوان ( المذاهب السرية ) وهو كتاب سنقوم باستعراض ماجاء فيه مما قد يفوق الخيال الأسطوري على حده ، كما سنستعرض فيما بعد العديد من النظريات التي طرحت بسبب قارة أطلنطس الغارقة والتي تشير آخرها إلى تهديد مباشر لكوكب الأرض بحدوث كارثة مدمرة خلال الألف سنة القادمة يعقبها عصر جليدي سيعيد الينا الظروف نفسها التي دمرت قارة أطلنطس ، وإن كنا نأمل أن يستطيع العلم الوصول إلى مجسات أعماق ستناصر أو تضحد هذه النظرية التي سنتنفس الصعداء إذا ثبت خطأها .
نلقاكم في سرد لاحق لما كتب في هذا الأمر في أجزاء قادمة
هناك تعليقان (2):
ممتاز
أشكرك
إرسال تعليق