Mastodon رؤى: لغز إختفاء أجاثا كريستي

لغز إختفاء أجاثا كريستي

 لم يكن أحد من المحيطين بأسرة السيدة / أجاثا ميري كلاريسا ، الشهيرة بأجاثا كريستي ، يتصور قدر المعاناة التي عاشتها في في العام 1926 ، إذ أنها ودون مقدمات انقلبت حياتها رأساً على عقب ، بينما هي في سبيلها لتوديع حقبة الثلاثينات من عمرها ، فقد كان الجميع يغبطونها على حياة هادئة مع زوجها الكولونيل أرشيبالد كريستي ، في بيت ريفي حالم ، كانت قد وصفته بأنه أحد أجنحة قصر سافوي بطرازه المليونيري ، وقد انتقلت إلى الريف ، كانت ملامحها هادئة تتميز بشعرها الأحمر الجميل ، وتبدو مرحة في أغلب الأوقات ، بينما تقضي وقت فراغها في تأليف بعض الكتب البوليسية ، التي لاقت نخبة من القراء المحدودين فلم توزع قصصها سوى بضع آلاف من النسخ عن كل قصة ولكنها كانت قانعة بذلك مطمئنة لحياتها مع زوجها الكولونيل كريستي الذي كان يعاملها بلطف في أغلب الأوقات .



إلا أن ذلك كله تغير فجأة ودون مقدمات ، فقد توفت والدتها مما أصابها بالجزع والحزن ، ولم يكتفي القدر بذلك فقد فاجأها زوجها المحب ، أنه يرغب في الطلاق !! فالكولونيل وقع في حب فتاة صغيرة في نهايو العشرينات تدعى ( نانسي نيل ) ويرغب في الاقتران بها وقد تكرم ومنحها الفرصة الكافية لتدبر أمورها قبل أن يبدءا في إحرارءات الطلاق ، ليحقق رغبته في الزواج من الحبيبة الجديدة ، تغير الأمر تماماً ، وصارت أجاثا عصبية للغاية ، قيل أنها كانت تتناول أطعمة غريبة ، ولا تكف عن نقل أثاث البيت من مكان إلى آخر بعشوائية ودون سبب ، وأصيبت بالأرق ، وبالطبع توقفت بعد قصتها السابعة عن الكتابة والتي كانت سببا في ضغط ثانوي عليها يضاف للضغوط التي تعاني منها ، فقد كانت تلك هي قصة ( مقتل روجر أكرويد ) والتي أثارت ردود فعل متباينة وهاجمها بعض النقاد ، نظراً لنهايتها التي رأوها غير عادلة .



وفي يوم 3 ديسمبر عام 1926 خرجت أجاثا بسيارتها لمكان غير معلوم ، وفي صباح اليوم التالي تسلم مأمور مركز الشرطة في ( سيري) بلاغاً عما يبدو أنه حادث طريق في نيولاند كورنر ، وبالمعاينة وجدت سيارة أجاثا الموريس ذات المقعدين على منتصف الطريق جنوب منحدر عشبي بينما غطت الأدغال مقدمة السيارة ولم يعثر فيها على أحد إلا أن المعاينة تفيد أنها غادرت السيارة بنية العودة بعد وقت قصير ، إذ تركت فيها المعطف الفرو خاصتها ، وسرعان ما تطايرت الأخبار ووصلت إلى الصحافة فأحاط الصحفيون بمنزل زوجها ، وبينما اشتبهت الشرطة أن تكون أجاثا قد قررت الإنتحار ، إلا أن رد زوجها كان فيه شئ من المنطق ، إذ طالما قررت الانتحار لماذا تمضى كل هذه المسافة قبل ذلك فمن يريد الانتحار لا يخطط له بل ينفذه ، ومع ذلك فإن حجة زوجها لم تمنع من تمشيط المنطقة بالكامل على نطاق واسع وكذلك الغوص في أعماق ( البحيرة الصامتة ) وهي بحيرة متناهية العمق ولكن لم يعثر فيها مع ذلك على أي أثر لأجاثا !

وخرجت جميع الصحف المحلية بخبر اختفاءها والتعريف بها وبقصتها إلى أن تواردت أخبار عن العثور على ملابس نسائية في كوخ معزول بالفرب من ( نيولاند كورنر ) وبجانبها زجاة دواء مخدر ، حتى توافد الصحفيون مهرولين للتثبت من الخبر وتصوير ذلك الأثر المهم ، إلا أن الفحص أثبت أن ما في الزجاجة مجرد دواء لعلاج المعدة ليست له أي آثار جانبية ، وانطلقت الصحف تحاول أن تحل هذا اللغز ، فبدأ البعض يشيرون إلى أن زوجها هو المستفيد الأول من موتها إلا أنه كان يمتلك الدليل القاطع على عدم وجوده محل الإختفاء أو ساعته لأنه ببساطة كا حاضراً في حفل نهاية الأسبوع في سيري بشهادة الكثيرين من الحضور ، فبدأت بعض الأقلام تشكك أنه عمل مدبر من أجاثا لتفضح علاقة زوجها مع (نانسي نيل) وبغية إغاظته وبدأ ( ريتشيه كالدر ) يتتبع هذا الخيط حيث قد علم من زوجها أنها ناقشته في احتمالية اختفاءها طواعية ، وقد أيدت أختها هذا الزعم حين أكدت أنها قالت لها ( أستطيع الاختفاء عندما أرغب في ذلك وسأفعل ذلك بعد تدبير الأمر بتمعن ) وهنا تكشف أن الاحتمال الأكبر هو أنها تعمدت الاختفاء وأن الأمر ليس انتحاراً ، أو فقدان للذاكرة ، وبينما الصحفي ( ريتشيه كالدر ) قد عكف على قراءة رواياتها لعله يجد مفتاحاً لهذا اللغز ، إذا بأخوها يفاجئ الجميع بأنه قد وصلته رسالة من لندن الساعة 9:45 يوم 4 ديسمبر من أجاثا ، في الوقت الذي يستحيل أن تتواجد فيه هناك والمفترض أنها تائهة في غابات سيري !!


مما زاد الأمر غرابة وإثارة وانشغلت الصحف جميعها بتلك القضية ، حتى كان يوم 14 ديسمبر أي بعد وقوع الحادث بإحدى عشر يوماً ، حيث اقترب كبير الخدم في فندق ( هايدرو باثك ) في ضاحية هاروكيت شمال يوركشاير من سيدة تجلس بهدوء على أحد المقاعد بينما تتناول قهوتها وتتصفح الجرائد ، وقد تأكد الرجل أنها الكاتبة المفقودة فسارع بإبلاغ الشرطة التي اتصلت بدورها بزوجها فلم يلبث أن اسرع اليهم في قطار بعد الظهر من لندن الى هاروكيت ، وعندما وصل الجميع كانت السيدة أجاثا قد انهت يومها تقريبا بروتينه المعتاد حيث تخرج للنزهة بعض الوقت ثم تعود لتبادل الحديث مع النزلاء وتلعب البلياردو ثم تتجه لصالة يعزف فيها بعض العازفين فتغني وترقص ثم تتجه الى المطعم لتناول عشائها قبل الصعود لغرفتها المريحة التي أجرتها ب 7 جنيهات يومياً ، وفي تلك الأثناء كان الجميع يقتربون منها وبينما هي في انتظار العشاء كانت تتصفح إحدى الجرائد المسائية وتقرأ تقريراً جديداً مشفوعاً بالصور عن اختفائها


وعندما اقترب منها زوجها نظرت له بابتسامة كأنه صديق سبق أن تعرفت عليه ، وإن كان يبدو أنها لا تتذكر الكثير عنه ، وقد أخبر زوجها بعد ذلك الصحافة أنها تعاني من فقدان تام للذاكرة ولا تعرف حتى نفسها ، وهو ما أكده الطبيب الذي قام بفحصها ، إلا أن اللورد ريشيه كالدر لم يقتنع تماما انه فقدان كلي للذاكرة وأخذ يتساءل كيف أنها كانت ترتدي فقط تنورة خضراء مع سترة رمادية وقبعة مخملية ولم يكن معها سوى بضع جنيهات في حين وجدوها في أعلى درجات الأناقة وفي محفظتها 300 جنيه ! فمن أين أتت بالمال والملابس !! ولماذا أخبرت النزلاء وإدارة الفندق أنها آتية من أفريقيا الجنوبية !! مما أثار احتجاجاً جماهيرياً واسعاً وتساءل الناس عمن يتحمل نفقات البحث عنها والتي تجاوزت الثلاثة آلاف جنيه ؟ 
إلا أن أحداً لم يحصل على إجابة أبداً لهذه التساؤلات ، وقد تم طلاقها من زوجها الذي تزوج حبيبته واستأنفت هي نشر قصصها وكانت أولى قصصها بعد الحادث ( الأربعة الكبار ) قد لاقت هجوماً حاداً من الصحافة والنقاد / إلا أنها حققت مبيعات بلغت التسعة آلاف نسخة ، أي ضعفي عدد النسخ التي بيعت لآخر رواياتها ( مقتل روجر أكرويد ) ثم توالى القفز في المبيعات مع كل قصة جديدة في تنامي مذهل ( كما وصفته اليزابيث والتر في مقال بعنوان تنامي المبيعات ) وبحلول عام 1950 وصلت لحجم مبيعات تجاوز الخمسون ألف نسخة لكل قصة بينما تجاوزت القصتين الإخيرتين (الآنسة ماربل ) و ( القاتل النائم ) الستون ألف نسخة مبيعات .
كانت أجاثا بعد طلاقها من زوجها الأول قد تزوجت عام 1930 من السيد ( ماكس مالوان ) وظلت ترفض مناقشة قصة اختفاءها أو تراوغ بوعود للصحفيين بأنها ستكشف ظروف هذا الاختفاء حتى وفاتها ، بينما ظلت السيدة ( جانيت مورجان ) تؤكد أنه مجرد انهيار عصبي أعقبه فقدان للذاكرة ، لتظل الأسئلة المهم عالقة حائرة إذ من أين أتت بالملابس والنقود ولماذا ( إذا كانت نسيت اسمها فعلاً ) استعارت اسم غريمتها وعشيقة زوجها ( نانسي نيل )





ليست هناك تعليقات:

المتابعون

من سجلات المحاكم (1) - التابوت

سلسلة بوليسية إذاعية مستوحاة من قضايا حقيقية ، كتب السيناريو والحوار " مصطفى عبد اللطيف " أداء صوتي : إبراهيم غريب ، د . عمرو راتب...

اشترك في خدمة Google Feedburner

Mastodon